لماذا نحب الذئب ونتعامى عنه أكثر من ليلى؟

أحب القصص الشعبية جدا، وأشعر بتعرضها للظلم، لأنها لم تأخذ حقها من تحليل ما تحمله من معانٍ وأفكار -مما يذكر هنا أن الشعب الفنلندي حين أراد أن يستقل عن الاحتلالين السويدي والروسي ويقيم دولته الخاصة؛ كان من أوائل ما بدؤوا بجمعه؛ القصص الشعبية-.

لا شيء يضاهي تلك القصص بعِظَتها للأطفال وقوة تأثيرها، وفي نفس الوقت مضامينها الخفية التي تنفع للكبير والصغير.

أريد في هذه التدوينة الوقوف قليلا مع إحدى تلك القصص.

نشأت الغالبية العظمى من الأطفال في وطننا العربي، بل وفي العالم أجمع على قصة ليلى والذئب.

القصة الكلاسيكية التي تتحدث فتاة تريد الذهب لبيت جدتها وتنصحها أمها باختيار طريق معين لتتفادى الذئب، لكنها تقابل في الطريق ذئبا وتتسبب في جعله يأكل جدتها.

نسخة مشوّهة من القصة، أليس كذلك؟

صورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

صورة بواسطة الذكاء الاصطناعي – https://www.midjourneyai.ai/

لماذا ليلى والذئب؟

ما أثارني في هذه القصة هو كثرة رواياتها وعبورها للقارات، فالقصة تروى بنهايات مختلفة، وببدايات مختلفة، وأحيانا حتى بحبكة مختلفة كليا.

يقال إن أول من ألف القصة هو كاتب فرنسي، ثم انتشرت عبر الأجيال والبلدان حتى صارت جزءا من ثقافة كل شعب.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الشيء المميز في هذه القصة؟ لماذا صارت على لسان كل أحد؟

أول ما يلفت الانتباه هنا أن القصة هذه مع كل التغيرات التي تحصل فيها لكنها تدور حول نقطتين رئيسيتين: العمى الذي يصيب الإنسان برؤية ما يحب، وألمه وخوفه على من يحب، إذن؛ هي لغة الحب.

أنا أدعي أن الشيء الذي أعطى للقصة عبورا للزمان والمكان هو تعلقها بما نحب، فليلى لم تنتبه للذئب طوال طريقها إلى جدتها، وفي بعض النسخ من القصة كانت تمشي في الطريق وعيونها على الأزهار، وفي كلا الحالتين؛ سواء كانت الأزهار أم الجدة، فليلى كانت معميّة بما تحب.

ثم لما صارت في منزل جدتها استوعبت حجم الصدمة. لماذا؟ لقد تم المساس بمحبوب آخر لها، كانت جدتها في خطر فصارت ليلى مبصرة كما لم تكن من قبل.

ليلى والذئب للكبار هذه المرة

في الحقيقة؛ كلما فكرت في تلك القصة اكتشفت كم أننا في حياتنا نلحق الذئب لحاقا ونطلبه طلبا؛ وذلك للعمى الذي يصيبنا في سبيل ما نحب.

الطالب قد يكون في أشد الحاجة للدراسة ليلة الامتحان وإلا قد يرسب في المادة، ورغم ذلك تجده في ليلتها ملتهيا بما يحب، ذاهبا إلى الذئب بقدميه.

الصديق يجد من صاحبه المقرّب ما يعكّر صفوه مرات وكرات، ويتغاضى حتى تنفجر الفقاعة، لأنه كان معميا عن مشاكله بشدة محبته.

الحب الأعمى قبل الزواج، تعلّق الأم والأب بأبنائهما الذي يمنعهما من دفعها بعيدا عن حضنهما -والعكس أيضا من تعلق الأبناء بالوالدين؛ وهو ما يمنعهم من تشكيل شخصيتهم الخاصة- توقّف الإنسان عن السعي لأنه يعيش على أطلال الماضي (الجميل المحبوب)، وغيرها من آلاف الذئاب التي تراودنا وتلحقنا كل يوم. نذهب إلى منزل جدتنا آخذين بيد الذئب ثم نتفاجأ عندما يأكلها.

بالنسبة لي كشاب تجاوز سن الطفولة؛ ليست ليلى والذئب سوى قصة تعبّر عن استعداداتنا الدائمة لنغلق أعيننا في سبيل ما نحب ومن نحب.