أحلام كبيرة وأفعال صغيرة .. سعادة لا تنتهي

“أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”

رسول الله صلى الله عليه وسلم

سؤال السعادة يبقى واحداً من الأسئلة الشائكة التي تحيط بالبشر في كل وقت وحين، خصوصا في الأزمنة الحديثة التي صارت فيها اللذة والسعادة هدفا لحياة الكثيرين.

يظن كثيرون أن السعادة هي حالة ثابتة مستقرة، يستطيعون الوصول لها عبر مجموعة من الخطوات، ثم بعد وصولهم يظنون إمكانية استقرارهم في تلك الحالة (السعيدة) فيما تبقى من عمرهم، لكن الحقيقة بخلاف ذلك، فالسعادة هي حالة من الأفعال والمشاعر والعلاقات اليومية المتواصلة، التي تحتاج استمرارية في الفعل مهما كان بسيطا.

“شيء تؤمن به؟ أن الطريق نفسه ممتع، وأن تأجيل الاستمتاع حتى نصل للغاية ليس حسنًا، وكثيرًا ما يكون هذا عائقًا عن بلوغ الغاية. قَسِّم الطريق إلى مراحل، واستمتع بكل مرحلة، وهذه هي أحسن ضمانة لبلوغ الغاية.”

أحمد سالم – تغرام

مجموعة فوانيس فيها أضواء

Selective Focus Photography of Lanterns – pexels.com

(الاستمتاع بالعملية) على حساب (الاستمتاع بالنتيجة)

هذه الخطوة تمنحنا إمكانية ملازمة السعادة لفترات طويلة من وقتنا، بدلا من الحالات العابرة التي تحدث بين الحين والآخر، ومن أمثلة ذلك: المرحلة الجامعية أهم من التخرج، والانغماس في العمل أهم من ساعة الانصراف من الدوام، والعيش مع القرآن أهم من نهاية الختمة. وفي نفس السياق، تذكرني هذه الأمثلة بقصة جميلة:

“بالأمس حدثني صديق عزيز عن جماعة يعرفهم، يحسنون الاستمتاع بكل شيء مهما كان بسيطًا، فإنهم ينشؤون ذكرياتهم حوله، ويستمتعون به.”

أحمد سالم – تلغرام

خطط، قسّم، قسّم، قسّم، ثم نفّذ

مما يعين أيضا على إيجاد سعادتنا اليومية؛ ترتيب أحلامنا التي نودّ فعلها في المستقبل، ثم تقسيمها لخطوات يومية/أسبوعية صغيرة.

قبل فعل أي خطوة من هذه الخطوات الصغيرة؛ عليك تحضير ما أسمّيه (طقس السعادة) وهو مجموعة من الإجراءات التي يتخذها الشخص لنفسه؛ كي يشعر أنه في حالة ذهنية ونفسية مرتاحة وهنيئة، فمن أمثلة الطقوس: الجلوس في المقهى حين الكتابة لتحقيق هذه الحالة، و الاستحمام صباحا لتحقيق نفس الحالة السابقة.

عن نفسي، فعندي طقوس خاصة لكل فعل، وطقوس عامّة في بداية اليوم، فقبل كل شيء في بداية اليوم، لدي عادة أسميها (عملية السعادة اليومية) أكتب فيها جملة عن يومي ستجعلني سعيدا كلما تذكرت أنني سأعمل عليها في نفس اليوم. من أمثلة ذلك:

في يوم الخميس أكتب: اليوم خميس .. وهذا سبب كافي لجعلي سعيدا.

عند استلام مشروع جديد في العمل، أكتب: بداية لتحدٍ جديد.

وفي أيام مكالمة من أحب، أكتب: التقاء الأرواح مع فلان.

ففي المحصلة؛ أحاول أن أجعل لكل يومٍ قصة منفصلة عن غيره، أعود لها كلما أحسست بالإرهاق أو المشاعر السلبية، وبالنسبة للطقوس، فالأمثلة كثيرة ولكل منّا طريقته.

“فيما يتعلق بالعثور على السعادة، يبدو أن أفضل نصيحة هي أيضا الأبسط: تخيل من تريد أن تكون ثم ابدأ سيرك نحو ذلك، احلم أحلاما كبيرة ثم افعل شيئا، أي شيء، تحركك البسيط سيغير شعورك تجاه السعادة ويعطيك إلهاما أكبر.”

مارك مانسون

احذر فخ المقارنة

بالإضافة لكل ما ذكرناه، يجب علينا في الطريق لتحقيق السعادة المرجوّة أن نتعلم كيف نتعامل مع الفخ الذي يحدث خلال عملية تكوين العادات والأفعال التي ستكون سندا لسعادتنا؛ فخ المقارنات، فالمقارنات شبه حتمية، لذا فأفضل شيء للإنسان أن يقارن نفسه بنفسه؛ الوحيد الذي يجب أن تتفوق عليه؛ هو أنت بالأمس، أما الآخرون فلكلّ ظروفه.

في النهاية، يجب أن نعلم أن السعادة ليست (ماذا) نفعل، لكنها (لماذا) نفعل، اعثر على الحافز المناسب، وابدأ الفعل اليوم، وحاول الاستمتاع بنفس التجربة لا بنتيجتها؛ مرحبا بك إلى عالم السعادة.

أختم بواحد من اقتباساتي المفضلة:

“حتى في أكثر اللحظات ظلمةً، يمكننا إيجاد السعادة؛ فقط إن تذكر أحدهم إشعال الضوء.”

ألباس دمبلدور – هاري بوتر وسجين أزكابان

شكرا لوقتكم الثمين، ودمتم بودّّ.