لماذا أكتب: محاولاتي مع الكتابة منذ الطفولة حتى الآن
“إذا كان الناس لا يستطيعون الكتابة بشكل جيد فإنهم لا يستطيعون التفكير جيدا، وإذا لم يتمكنوا من التفكير جيدا فسوف يقوم الآخرون بالتفكير من أجلهم”
العنود الزهراني – لماذا يجب أن تطلق «الكاتب» الذي بداخلك؟ الكتابة كمهارة ضرورية للنمو المعرفي
قصتي مع الكتابة
أحببت الكتابة منذ صغري، وكانت إحدى هواياتي أن أكتب قصصا طفولية تليق بتلك المرحلة العمرية. وتطورت محبتي تلك حتى أنتجت (مجلتي) الخاصة في عمر الثماني سنوات، طبعت منها نسخا وحاولت بيعها لأصدقائي (وهي مكتوبة بخط يدي)، ثم انقطعت طويلا عن تلك العادة مع اهتمامي الدائم بعالم الكتابة وما يتعلق به.
قبل خمسة أعوام تقريبا كنت أتواصل مع أحد أصدقائي الذي يعيش وحيدا متغربا عن أهله، وكانت حالته النفسية سيئة جدا بعد أحد الاختبارات الجامعية التي اختبرها، فأعادتني الذاكرة لهوايتي القديمة؛ فكتبت تدوينة طويلة تتحدث عن النظام التعليمي ومصائبه وأثره على الطالب، ثم فضّلت تجاهل تلك التدوينة.
توقف آخر: الكتابة تستنجد
بعد تلك الحادثة؛ فتحت حسابا في أحد مواقع التدوين وبدأت التدوين هناك بشكل أسبوعي، وكما توقعتم؛ ثلاثة أسابيع كانت كافية حتى أدخل في دوامة الحياة وأنسى هوايتي من جديد.
صرت أدخل إلى مدونتي من حين إلى آخر لأكتب شيئا بسيطا عن أي شيء يدور في خلدي، أنشر القليل وأحتفظ بالكثير كمسودات ستنشر يوما ما (بعد انتهاء مشكلة الكمالية التي أعاني منها)، إلى أن واجهت مقالا لأحد الكتاب أعاد لي حماستي للكتابة.
تحدّث مارك مانسون في تلك المقالة عن شيء لفتني جدا؛ وهو تركنا بعض هواياتنا التي كنا نستمتع بها صغارا لأسباب غريبة تنشأ في عقولنا بدون تفسير منطقي، وأنقل لكم نصّه هنا مترجما (بتصرف):
“لم يكن ذلك الصبي البالغ من العمر ثماني سنوات مهتمًا بكمية الزيارات التي سيتلقاها من غوغل. ولم يكن مهتما بانتشاره في وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أراد فقط اللعب. وهنا يبدأ الشغف دائمًا: بإحساسك باللعب”
Mark Manson – 7 Strange Questions That Help You Find Your Life Purpose
ماذا أحببت في عمر الثمانية؟
أعادني ذلك المقال إلى الحقيقة، حقيقة أنني كنت أكتب لأنني أحببت ذلك، رغم أنني لم أبع أي نسخة من مجلتي المزعومة. ما كان يستهويك في عمر الثماني سنوات هو ما تحب أن تقضي وقتك به، وفي الغالب؛ ما يستهويك اليوم هو ما تطور لديك بعد ما مررت بمرحلة تنميط منهجية تحت مسمى (التعليم).
“الكتابة عملية سهلة. كل ما عليك فعله هو الجلوس والتحديق في ورقة بيضاء حتى تتجمع قطرات الدم على جبهتك”
ليست الكتابة عملية بسيطة أو سهلة، لكنني أجد فيها متسعا للتعبير عن مكنون نفسي. لطالما تحيّنت الليالي الصامتة الموحشة؛ حتى أستيقظ من نومي لأدوّن خيالا يلوح في خاطري في صورة قصة مرتبة التفاصيل، أو في صورة قصيدة (أو شبه قصيدة، إن صحت التسمية) أو في صورة نقاط متفرقة لا شيء يجمع بينها سوى أنها كتبت بنفس اليد!
كتابة اليوميات كبوابة للعودة
بدأت منذ أشهر (إلى جانب محاولاتي المتقطعة للتدوين) بمحاولة كتابة يوميات بشكل شبه دوري، صرت أنسى وأتكاسل عنها كثيرا، لكنني أحاول أن أذكر نفسي كل يوم بأن الكتابة هي ذاكرتي المحفوظة، وأغلب ما عداها يضيع.
وأكبر مثال على ما أضاعته ذاكرتي هو (يوم التخرج من الجامعة)، رغم أنه لم يمض عليه أكثر من سنة ونصف – مع العلم أنني لست من النوع الذي ينسى تفاصيل الأيام السعيدة في حياته- وقد أنقذتني الكتابة مرة أخرى، فعند عودتي ليومياتي التي كتبتها عن تخرجي؛ وجدت أدق الملامح والتفاصيل مروية بكافّة الضمائر العربية.
“الكتابة بحد ذاتها، تشكل في خلاصتها نوعا من مخاطبة الذات. تساعدنا على اكتشاف أنفسنا من خلال اكتشاف الآخرين والكشف عن الأشياء التي تتناولها هذه الكتابة”
سميح القاسم – الرسائل
من يحمل عبء الذاكرة؟
لا نكتب دائما كي يسمعنا الآخرون، أحيانا نكتب حتى نسمع أنفسنا، وأحيانا أخرى نكتب حتى نتحرر من عبء الأفكار المتزاحمة في رؤوسنا، وأختم هنا باقتباس كلاسيكي أخير، عن أهمية الكتابة؛ سواء عن أنفسنا، أو عمّن/ما حولنا:
“من يحمل عبء الذاكرة؟ ومن يكتب سيرة من لا سير لهم في بطون الكتب؟ أولئك الذين قسموا جسومهم في جسوم الناس وخلفوا آثارا عميقة تدل على غيرهم ولكنها لا تدل عليهم”
وليد سيف – التغريبة الفلسطينية.
شكرا لوقتكم الثمين، ودمتم بودّّ.