ما لم يخبرك به أحد حول التعليم
قبل عدة أشهر تخرجت من الجامعة بعد رحلة طويلة مع التعليم، تحديدا النظام التعليمي، لم تكن تلك الرحلة سهلة كما كانت للبعض، ولا ممتعة كما عاشها الأغلب، ولا مثمرة كما يريدها المجتمع أن تكون، لكنها كانت أياما صقلت اختياراتي الحياتية وشخصيتي.
أتحدث اليوم إليك يا من لا تزال على مقاعد الدراسة النظامية، سواء في مرحلة المدرسة، أو الجامعة (البكالوريوس تحديدا)، أتحدث إليك لأكتب لك شيئا من خواطري عن تلك الرحلة، وشيئاً مما تعلمته سابقاً، ومما تمنيت لو علمني أحد إياه قبل فوات الأوان، أكتب اليوم لكم من القلب إلى القلب.
في البداية أود أن أقول أنني لم أكن متفوقاً في الدراسة في أي مرحلة من مراحل التعليم، قد أكون تفوقت كثيراً في الابتدائية وبشكل أقل في الإعدادية (المتوسطة) والثانوية، لكنّي لم أعش يوما نمط حياة المتفوقين، ولم أبذل يوماً نصف الساعات التي يبذلونها، فقد كانت المواد الدراسية عندي مسألة اختيار وإعجاب، ولم أعاملها يوماً جميعها على درجة واحدة من الأهمية.
حافظوا على أطفالكم في الابتدائية
لم أقتنع يوماً بفكرة أن يبذل الطفل يومه لحل واجبات، وتحضير دروس لا تسمن ولا تغني من جوع، سواء حول البناء الضوئي، أو المضاعف المشترك الأكبر، أو طبقات الأرض، أو عدد آبار البترول الموجودة في الوطن العربي! فضلا عن اقتناعي بأفلام الرعب التي تحصل في المنزل والمدرسة لمن لا يحصل على الدرجة الكاملة.
إذن؛ هذه واحدة: الشيء الوحيد المطلوب ممن عمره تحت السنوات العشر؛ أن يلعب ويعيش طفولته.
وفيما تبقى للطفل حتى ينهي المرحلة الابتدائية فيجب أن يفهم قيمة العلم بحد ذاتها، لا قيمة الدراسة والدرجات، لأنها كلها ليست مؤشراً على أي شيء، ولا تقيم للعلم في ذهن الطفل قائمة مهما حاول الآخرون إقناعي بخلاف ذلك.
تريدون دليلاً على عدم ارتباط الدراسة بالحياة؟ لا أدلّ مما نراه من كثير من المتفوقين دراسياً في معلوماتهم الصفرية في كثير من المجالات الحياتية التي يحتاجها الإنسان أكثر من احتياجه لقوانين نيوتن بعشرات المرات!
هذه الثانية: العلم، لا الدراسة والدرجات.
الإعدادية مكان بناء مهارات الحياة
أما في الإعدادية فنصيحتي لكل شاب وفتاة في هذا العمر أن يستغلوا هذه السنوات في بناء مهاراتهم الحياتية التي ستكفل لهم حياة متزنة ناجحة كريمة، ثم فيما تبقى من وقت يعودون ليقضوه في حل الواجبات التي تتعلق بالمواد الدراسية.
أتكلم عن مهارات كاكتساب العلاقات، والتعامل مع الضغوط، والتفكير الناقد، ومهارات التحليل، والإدارة، والتنظيم، والذكاء العاطفي، وغير ذلك مما يحتاجه الإنسان في يومه عشرات المرات مقارنة بمرة أو مرتين قد يحتاج فيها لجذر تربيعي لأحد الأرقام تظهره له الآلة الحاسبة.
هذه الثالثة: المهارات الحياتية فوق الدراسة.
طوبى لمن يعيش ثانوية مثمرة
بالنسبة لطلاب المرحلة الثانوية فلا أستطيع أن أقول لهم أن يجعلوا الدراسة والمدرسة مرحلة ثانية في حياتهم لأن هذه المرحلة في غالبية الدول تكون سنواتها تحديد مصير كامل للطالب والطالبة، الذين يقع على عاتقهم تحديد مستقبلهم كاملا بين عمر 15 و 18 سنة، وكأنهم يملكون ما يكفي من الوعي لذلك!
وصيتي في هذه الفترة أن يقرؤوا كتباً تعينهم على تصور المستقبل تصوراً واضحاً، وحبذا قراءة (ثاني لفة يمين) للدكتور أمجد جنباز.
هذه الرابعة: اقرأ وتعلم شيئاً يعينك على تحديد مستقبلك واختيار تخصصك الجامعي بأقل هامش من الأخطاء.
الجامعة درّة التاج
أما الطالب والطالبة الجامعية فلا أزال مصرّا على رأيي، أن الجامعة هي الفترة الذهبية لاكتساب الإنسان لأكبر قدر ممكن من المهارات العملية والحياتية، وكذا العلاقات، والتجارب، وأفضل فرصة لتجربة أنواع الفشل جميعها .
كل المذكور تأتي أهميته قبل الدراسة الجامعية بلا شك، لأن الجامعات للأسف لم تعد قادرة على مواكبة سوق العمل، فهي بكل الأحوال لن تهيّئك لسوق العمل وستتركك ضائعا بعد تخرجك.
من اهتم بتنمية مهاراته الأخرى في المرحلة الجامعية سيكون قادرا على التأقلم عند التخرج لأن الشيء الوحيد الذي سينقصه هو المهارات التي يمكن اكتسابها بدورتين هنا ومشروعين هناك.
أما من فضّل الدراسة على المهارات والتجارب الأخرى متقوقعاً داخل دائرة دراسته غير عارف بأهمية الأشياء الأخرى التي سيندم عليها بعد فترة قصيرة من تخرجه، سيندم حينما يرى فلانا وفلانا ممكن كان أقل منه دراسيا قد حصلوا على وظائف ومنح وفرص ممتازة بينما هو قابع يظن أن معدّله الجامعي قادر على تسويق صاحبه.
هذه الأخيرة: التجارب والفشل والمهارات، مقدّمة على التكاليف الجامعية
ختاما
لست أذم الدراسة بحد ذاتها (إلا للأطفال تحت العاشرة، فهي تشويه كامل لهم ولطفولتهم وعقلهم) لكنني أحاول إعادة توضيح الصورة في شكلها الطبيعي، ووضع الدراسة في مكانها الطبيعي بين الأنشطة الحياتية، لا أن تكون هي الحياة والمركز وما حولها كله مسخّر لخدمتها.
وما هذه إلا خواطر بسيطة أحببت مشاركتها حول المراحل الدراسية وما تعلمته منها، قد تعجب البعض ولا تعجب آخرين، وما الحياة إلا تبادل تجارب، وكما يقال: “لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع”.
شكرا لوقتكم الثمين، ودمتم بودّّ.